[
U3F1ZWV6ZTQ4NzYxODA3NTc1OF9GcmVlMzA3NjMxNjQ2Njc2

سنوات العزلة والغضب

 الجزء الثالث

"عن الخوف و العزلة,مئة عام من العزلة,الغضب,روايات,سنوات العزلة والغضب,قصر العزلة,100 عام من العزلة,مئة عام من العزلة شخصيات,رواية مائة عام من العزلة,مائة عام من العزلة,العائلة,بين الثراء والقلب المكسور,علامات الاكتئاب,رواية يوتيوبيا,رواية,رواية صوتية,روايات,رواية قصيرة,روايات رعب,رواية نصف ميت دفن حيا كاملة,كتب صوتية,روايات وحكايات"
الجزء الثالث

رابط الجزء الثانى : من هنا
رابط الجزء الأول : من هنا

فى سنوات العزلة والغضب ... السعادة هى مجرد اللاشعور بالألم ... فهناك وجع يعتصر أرواحنا ولا ندرك موضعه ... يجثم على صدورنا ويخنق انفاسنا فنصارع من أجل نسمة هواء تنقذنا من هذا الأختناق من هذا الغرق .. نحاول أن نجد فى الصمت والسكون وفعل اللاشيئ بعض من الراحة لكن من يوقف أحاديث النفس الدائرة كمرجل قطار داخل العقل ؟؟ .. لا أحد .. فكل ما حولنا غاضب حتى الجماد الذى كنا نظنه بعقولنا الضيقة الأفق ساكنا لا يقدر على فعل شيئ .. تمشى فى الطريق تقاذف قدمك أحجاره فترتد إليك وتؤذيك ويزداد الوتير القلق العابس .. حتى عندما تهرب تقتحم أفكارك الهلاوس والخوف من الدقائق القادمة .. ترى ماذا ستحمل فى جعبتها من أنواع الألم والقهر والعذاب ؟؟  ولا يسعنا إلا أن ننتظر وكأننا على موعد مع شيئ من هذا القبيل نترقب فى تحير لا نعرف من أين ؟؟ أو متى ؟؟ أو كيف سيأتى ؟؟ وحين سيذهب كل هذا فأنا متيقن أنى سأبحث عنه فى معترك آلامى وذكرياتى وعذاباتى .. 

أنا اكره الغضب أكره هذه الرعشة التى تتملك جسدى وهذا الفوار فى دمى وكأنه يصارع بداخلى فى عجلة ليضخ المزيد والمزيد من الدماء .. أمقت أدرنالين الغضب الأعمى الذى يصيبينى .. وأمقت حتى أفعاله لأننى لا أسيطر عليها ... لكن كم من الأشياء التى لا نسيطر عليها فى انفسنا ؟؟ الكثيروالكثير لا أستطيع أن أعدد لكنه وحده ما يجب أن أكبح جماحه هذا الغضب والسعار المحموم الذى يجعلنا نرتكب الحماقات ويظهر حيوانيتنا المتوارية فى الصورة البشرية التى تعلو هياكلنا لتخبئ كم هائل من الشرور .. لذا آثرت العزلة هرباً من الغضب

فى المطار وقفنا أنا والمستشار عادل الذى أصر على مصاحبتى وإن كنت أظن أنها توصية من رجاء وخصوصاً بعدما حدث بمحطة الوقود وعادل وهو يقص لها المعركة وهو يضحك ولا يعرف أنها مع كل كلمة ينطقها تزداد قلقاً وتوتراً ها قد عاد الغضب ينتابه مرة هكذا كانت تحدث نفسها وبعد أن أنصرف عادل ساد بيننا صمت رهيب فهى تعرف ...

الطريق من أكتوبر حتى المطار كان طويلاً رحت أسترجع الكثير والكثير من الذكريات ... نزار وهو صغير وأنا أجلسه فوق ظهرى وألاعبه حصان الباشا وكنت أقوم بدور الحصان وهو يقوم بدور الباشا طبعاً ... لقد دللته أكثر من أخويه لكنى لم أكن مفرطاً فى تدليلى هذا أذكر عندما أكتشفت أنه يدخن السجائر وكان فى بداية الصفوف الأولى من المرحلة الثانوية .. كان الحدث مريعاً حينها فلا أنا ولا أحد من الأسرة يدخن فكيف وصل نزار الى هذا الحد من الأنهيار هكذا كنت أظن وقتها أن التدخين هو أخر مراحل الأنهيار ولم أعرف أنه أولها .. عاقبته بشدة وعنف كنت غاضباً وضربته ضرباً مبرحاً وحبسته بالمنزل قرابة الشهر وكان كل من حوله من العائلة ينبذه ليشعره ببشاعة فعلته .... وأذكر حين أنضم لشباب من حى الجمالية ممن يرون فى أنفسهم الفتوة والبطش وعاد يوماً وقد شجت رأسه وكذب على وقتها بقصة خيالية بأنه سقط من الحافلة العامة .. ولكن الحاج عرفة صاحب المقهى الذى وقعت المشاجرة بجواره أخبرنى بكل التفاصيل وكانت الطامة بالنسبة لى ليس أنه تشاجر ولكن أنه كذب وشججت رأسه فأصبح يعالج من جرحين بدلاً من جرح واحد ... هل كنت قاسياً فى تصرفاتى هذه معه ربماً .. فأخويه لا أذكر أننى عاقبتهم أساساً على شيئ فقد كان جمال وماليكة عاقلان مجتهدان مؤدبان لا أذكر لهما فعلاً من شأنه السؤ ... أما هو فكان منذ صغره مشاغباً .. وعندما رسب فى الثانوية العامة كانت صدمة للجميع وخصوصاً رجاء المعلمة الفاضلة مربية الأجيال أبنها يرسب هذه كارثة نفسية مدمرة بالنسبة لها ولأول مرة تصفعه على وجهه وبقوة وغيظ حقيقيين .. لم أرى رجاء فى هذه الحالة أبداً من قبل ولأول مرة أجدها تدفعه خارج المنزل بقوة وتطرده .. كانت أوقاتاً عصيبة عليها وكان المنزل فى حالة من الصمت والحزن .. وأحضره عمه أحمد الى المنزل وأنهى الأمر ووعد بأن نزار نادم وسيصبح من أحسن الناس ..هكذا وعد عمه وخدعه ..  يبدو أنه أحترف الخداع ..  لماذا أتذكر كل هذه المصائب التى سببها وأنا ذاهب لأستقبله .. ما رأيك يا جلال ان تتذكر بعض الأشياء الجميلة .. مثل ماذا ؟؟ لا أدرى فلتبحث عن شيئ !! ربما عندما أستطاع النجاح بمجموع يندى له الجبين وألتحق بكلية الحقوق !! لا أظن أنك تتذكر شيئاً جيداً هكذا !! لا بأس فلتتذكر أنه أبنك وكفى هذا !! فلتنسى كل شيئ !! كأنه لم يحدث فقط تذكر لعبك معه حصان الباشا ... 

عادل يحترم صمتى كنا نتبادل الكلمات القليلة خلال الطريق ووصلنا الى المطار ووقفنا بصالة الوصول أنا وعادل وذهبنا لنسأل فى مكتب الأستعلامات عن موعد الرحلة يبدو أننا أتينا باكراً .. هذه البلد من المستحيل فيها أن يكون شيئ فى موعده إما أن يكون مبكراً وإما متأخراً لا يوجد هنا شيئ أسمه موعد إذا كنت تنتظر شخصاً وقال لك أنه سيصلك خلال دقائق فأعلم أنها ساعة ولو قال أنه سيصلك فى خلال ثوانى فأعلم أنه لن يأتى من الأساس .. جلسنا ننتظر حتى تم الأعلان على الشاشة عن وصول الرحلة ووقفت أتطلع فى صبر ورأسى كبندول ساعة آخذة فى التحرك يميناً ويساراً أحدق فى الوجوه أبحث عن وجهه عن ولدى عن ملامحه التى أشتقت إليها ففى البداية والنهاية أنا أب .. جيد يا جلال فلتثبت على هذه المشاعر الإيجابية .. ورأيته من بعيد ووجدت قلبى يخفق بقوة .. ويقفز فرحاً فى صدرى .. لكن مهلاً من هذه السيدة التى تمشى بجواره .. لا مهلاً أنها تحمل بين يديها طفلاً .. هل أنا تشوشت وربما هذا ليس نزار .. عادل الى جوارى يسألنى فى ألحاح إن كان قد وصل وأنا متردد وفى حيرة .. وأقترب نزار وجرى نحوى .. ولم أفعل شيئ غير أننى فتحت ذراعايا وأحتضنته بقوة وشوق ونسيت كل شيئ حولى وكل الأستفسارات وكل الحيرة والتردد وكل الخطايا وكل مهلاً السيدة تربت على كتفه وهى تنطق بالإيطالية التى لا أعرف حرفاً منها .. وأنا لا أفهم !! بل والغريب أننى وجدتها تقترب وتقبلنى على خدى وأنا أحاول الابتعاد ولكن وجدتها تعطينى الطفل بعد أن كلمها نزار بالإيطالية !! ووجدت الطفل الجميل بين يدى ونزار يقول لى أنه حفيدى فظللت أنظر إليه فى بلاهة وأسأله : حفيد مين يابن الكلب ؟؟ ووجدته يضحك ويضع يده على كتف السيدة بجواره ويقول : دى مونكارنا مراتى وده حفيدك باولوو ؟؟ أحتضنت الطفل وأنا أطلق جميع أنواع السباب : كمان أتجوزت كافرة ومخلف عيل مش عارف أسمه ده أيه يابن الكلب يا جزمة !!! عادل يهدأ من روعى وفجأة أتذكره وأنا لا أعرف ما دار بخلده وأنا فى هذه اللحظة التى تكاد تذهب عقلى ما زال نزار كما هو ربما سيكون سبب موتى بأزمة قلبية من جراء أفعاله !! أعرفهم الى عادل الذى يسلم عليهم ونتحرك الى السيارة وأنا مازلت أحمل باولوو هذا ولا أعرف لماذا وأخذت أنظر له لماذا لا يستغربنى ويبكى مثلما يفعل الأطفال !! ربما هذا الطفل من عصابات المافيا أساساً !! لكنه جميل .. ووجدته يبتسم لى ويتحسس وجهى بيده ولا أعرف وجدتنى أبتسم له وقد نسيت كل شيئ وقد قفز قلبى فى سعادة وأنا أحاول أن أخفيها لكن نزار يربت على كتفى ويقول : باولوو شكلوا حبك وأنت حبيتوه يا حج ؟؟ أنظر الى باولوو والى نزار : أكيد نصاب زى أبوه !! ويضحك نزار أشتقت لضحكاته وننطلق الى أكتوبر حيث رجاء كيف ستستقبل الأمر .. المهم أننى ظفرت بطفل المافيا الجميل هذا وأجلسته على ساقى وظللت ألاعبه وأداعبه أنا وعادل أما نزار كان فى جولة سياحية يشرح معالم الطريق التى أثق أنه لا يعرف عنها شيئ حتى وصلنا الى المنزل ووجدت رجاء تندفع خارجة من البوابة وتحتضن نزار بشدة وتقبل وجنتيه ثم تحتضن زوجته وهى تطلق عبارات الترحيب التى لن تفهم ما أسمها أه مونكارنا .. لن تفهم من رجاء حرفاً وتتحرك لتصل عندى لتأخذ باولوو من يدى !!! إّذاً هى تعرف كل شيئ وأنا آخر من يعلم هكذا يا رجاء فليكن سنلتقى وجهاً لوجه بمفردنا وسأعرف .. 

ندخل للمنزل وأنا أحاول جعل المستشار عادل يدخل معى دون جدوى وينطلق الى بيته الذى يبعد عنى بحوالى ثلاثمائة متر لا أكثر .. أدخل لأجد زوجة عادل تجلس مع رجاء بالحديقة وهى تتكلم معها بالعربية ذات اللكنة الأجنبية التى تشعرك بأن اللغة قد تشوهت إثر حادث قطار مريع .. إذاً هى فهمت ما كنت أقوله والسباب وكل هذا فليكن تركت الجميع بالحديقة وذهبت الى غرفتى وجلست الى طرف السرير وأنا أفكر ماذا تخبئ لى الأيام .. ربما تكون السعادة ... ابدل ملابسى وأنزل لأجد رجاء بالمطبخ وتخبرنى وأنا أمر بها أنهم قد صعدوا للغرفة التى قد أعدتها لهم وأنا أرمقها بنظرة معاتبة وهى تشيح ببصرها محاولة ادعاء الأنشغال فى أعداد الطعام فأتركها لأنى أعرف أنها لا تريد الكلام والعتاب الآن فهى سعيدة بعودة الابن الضال .. فليكن .. أخرج وأجلس بالحديقة ويلحق بى نزار وبيده طفل المافيا الجميل ويجلس قبالتى ويبادرنى : وحشنى قوى يا بابا . .. تدغدغ مشاعرى الكلمات فأجيبه : وانت كمان بالرغم من أنك واطى 

يبتسم فى وجهى ويقوم متجهاً نحوى : خد حفيدك بقى وانا هروح لماما أساعدها . .. أنظر له فى تعجب : ومراتك فين ؟؟ يبتسم : مع ماما فى المطبخ .. خد بلال بقى .. أسأله فى تعجب : هوا بلال ولا باولوو ؟؟!

يضحك بعد أن يدفعه الى حضنى دفعاً : بلال والدلع باولوو .

أنظر الى بلال الجميل وقد أسترحت نفسياً من كونه ليس باولوو .. بلال كيف يكون باولوو .. ليس بالشيئ الغريب هناك من يحمل أسماً جميلاً ورقيقاً وتجده يبدله كشهرة وينتشر هذا الأمر خصوصاً فى الأحياء الشعبية فتجد من هو سنجة ومن هو طربقها وعلى شاكلة هذه الأسماء العديد والعديد ... لكن الحمد لله بلال اسم جميل وسأحاول تغيير كونه باولوو هذا .. المهم هذا أول حفيد لى ألتقى به وجها لوجه فجمال تزوج من أمريكية وحصل على الجنسية وأنجب منها مريم ومراد أرسل لنا صورهم فى العديد من المناسبات لكننى لم ألتقى بهما .. وماليكة أنجبت بنتاً جميلة مثلها سلمى أرسلت لنا صوراً لها وهى توشك على وضع مولودها الثانى هذه الأيام ورجاء تتألم بسبب عدم تواجدها مع أبنتها الوحيدة فى ظروف تكون فيها كل أم بجانب أبنتها لكن ماذا أستطيع أن أفعل ربما فى عودة نزار ملهاة لها عن ماليكة قليلاً .. شبعنا لعب أنا وبلال وخصوصاً حصان الباشا وكان سعيداً جداً ولكن الحقيقة أننى كنت أسعد منه بآلاف المرات سعادة لم أختبرها من قبل كونى جد ولى أحفاد يلعبون معى .. فليذهب كل شيئ الى الجحيم الغضب والعزلة والجحيم ذاته فأنا وطفل المافيا سعداء نتشارك الألعاب دون كلل أو ملل ورجاء تراقبنى فى سعادة ونزار وزوجته يتبادلون الحديث بالإيطالية فأسبه بصوت عالى فيضحك ويخبر زوجته أن تتحدث بالعربية وهم جالسين معنا والحقيقة كانت تحاول قدر استطاعتها وفى المساء ذهب الجميع للنوم وصممت أن ينام بلال ليلته معى .. جميل هذا الطفل الذى أدخل السرور على روحى المثقلة بالحزن .. يرن الهاتف وتجيب رجاء فأنا لا أقترب من هذا اللعين إلا نادراً جداً وتتهلل وهى تهنئ المتصل وعرفت على الفور من خلال كلامها أنه الدكتور كمال زوج ماليكة يخبرنا بأن ماليكة أنجبت أبنهما محمد ... يبدو أنها الأيام السعيدة التى أخاف منها أكثر من خوفى من الأيام الكئيبة التى أعيشها .. نخاف من السعادة خشية الفقد رغم كونه سيحدث شئنا أم أبينا ..

هذه الليلة دون غيرها من الليالى الطويلة الثقيلة التى يطاردنى الأرق فيها نمت كصخرة قابعة فى عمق المحيط لا يصلها ضوء ثابتة لا تتحرك تراقب كل كائنات البحر تمر حولها وهى لا تبالى بشيئ ... فى الصباح رجاء تهزنى بقوة وأسمع صوتها وكأنه يأتى من عالم آخر أفتح عيناي المثقلتان وأنظر إليها فى تشوش فتخبرنى وأبتسامة على وجهها أنها أعدت الأفطار وتمضى لأقوم فى تثاقل من السرير وأنا أبحث عن بلال .. يبدو أنهم أنتظروا نومى وأخذوه من جانبى أتوضأ وأصلى وأنطلق فى نشاط لألحق بهم فى الحديقة وفوجئت بالجميع فى ثياب الخروج حتى رجاء التى لم ألحظها وهى توقظنى وسألت فى تعجب عن وجهتهم فقالوا فى صوت واحد دون أتفاق : الجمالية ..

تعجبت لكن رجاء شرحت لى : عاوزين نفرج مونكارنا ع التراث الأسلامى هناك وبالمرة نعدى على قرايبنا عشان نزار يسلم عليهم .. أدور برأسى فى الفراغ أبحث عن أسئلة وتلتقى عينى ببلال فأبتسم له وألقى عليه تحية الصباح وهو يبادلنى الأبتسام غريب هذا الطفل آخاذ وجميل وتشعر أنه كائن مدرك رغم أعوامه الثلاثة التى لم تكتمل بعد .. نتناول الأفطار ونزار فرغ من طعامه سريعاً وتحرك يجرى المكالمات بالأيطالية التى لا أفقه منها حرفاً .. ووجدته يمسك يدى ويطلب منى تبديل ملابسى وهو مازال يتحدث فى الهاتف وأنظر الى رجاء وهى تعطينى أشارة بالموافقة المترجية .. إذا فليكن فلن أمكث وحدى وأترك بلال .. 

بدلت ملابسى وبدوت متأنقاً وأنا أنظر لنفسى فى المرآة .. لم أرانى منذ فترة بعيدة فعلاقتى بالمرآة شبه معدومة من زمن .. فالعزلة لا تحتاج لمرآة .. فقط الحياة هى ما نحتاج للمرآة فيها لنتأكد كوننا لائقين فى عيون البشر من حولنا .. أنزل لأجد سيارة فارهة تنتظرنا بالباب !! وأسألهم لماذا لا نأخذ سيارتى ؟؟ فيخبرنى نزار أنها سيارة العمل .. تدور فى عقلى الأسئلة أولها .. عن أى عمل يتحدث ؟؟ يفتح الباب الأمامى وينحنى بشكل مسرحى لأركب ... أيها البهلوان المخادع فليكن سأعرف كل شيئ فى وقته فالعزلة أعطتنى الكثير من الصبر .. الكثير من اللامبالة .. وقضت على كل أنواع الفضول الداخلى الذى يكتنف البشر فى مواجهة المجهول .. أمد يدى لمونكارنا لآخذ بلال منها ليكون رفيقى وهى تبتسم فى رقة وتعطيه لى .. وننطلق الى الماضى الذى هربت منه رغم حبى لكل تفاصيله ..

نصل الجمالية وأتجه انا ورجاء وبلال الى منزل والدها الأستاذ خليل وندخل من الباب ويقابلوننا بالترحاب والشوق وخصوصاً بلال الذى نال تدليلاً من جده خليل الذى كان فرحاً به أيما فرح .. وأخذت الأحاديث تأخذنا للماضى والحاضر الماضى بكل جماله ربما لأننا ننبذ فى نفوسنا قساوته .. ونتذكر قساوة الحاضر فقط وكأننا ناقمون على هذا التبدل الذى عبث بأرواحنا ..

يطرق الباب ويدخل نزار ومونكارنا التى كان يعلو الأنبهار ملامحها .. ويرتمى فى أحضان جده وجدته وهم يمطرونه بالقبلات المشتاقة الحارة ونجلس فى أنتظار الغداء .. لكن نزار يطلب منى زيارة البيت القديم وأعمامه فتنهره رجاء فى حدة : بعد الأكل متلخبطش حياة الناس وأنت داخل عليهم فجأة .. ويذعن فى أستسلام وهو يخبرنى بأنه مشتاق لكل شيئ .. وأنا أحدث نفسى : أنت من تركت كل شيئ خلفك ومضيت .. لكنى صامت لا أبحث عن العتاب الصادم الذى يؤلم من يوجه اليه .. نتناول الغداء وننطلق أنا وهو للأهل والأقارب الذين كانوا جميعاً سعداء والسؤال المطروح على كل الألسنه وكان موجهاً لنزار ماذا فعلت وماذا تعمل وسمعت الأجابة للعديد من المرات حتى بت أحفظها من فرط سعادتى لكنى لم أجرؤ ولو لمرة أن أنبرى للأجابة خوفاً من أن تكون خدعة من نزار ... كان يخبر الجميع أنه أكمل دراسته فى إيطاليا ويعمل حالياً بأحد منظمات المجتمع الدولى وأنه هنا فى عمل .. كان يتملكنى نوع من السعادة الحذرة وأنا استمع للقصة وكأنى كباقى من حولى منبهر ومن حين لآخر أطلق دعابة ساخرة حول قصته فيضحك ويضحك الجميع .. يخبرنا بأنه سافر مع صديق له يعمل هناك حصل له على تأشيرة سياحة وعندما وصل ساعده صديقه للحصول على عمل وألتحق بالدراسة فى جامعة ميلان ليستطيع الحصول على الأقامة حتى حصل على الماجستيير ومن خلال شبكة علاقاته هناك وبمساعدة والد زوجته مونكارنا حصل على عمل فى أحد المؤسسات القانونية هناك ... فلتفرح يا جلال لقد تغير نزار ربما شقاء الغربة صنع منه رجلاً .. الكل يهنئنى بعودة الأبن الذى كان ضالاً ... وتمضى الساعات ونحن ننتقل من منزل لآخر وأصبحت أتأبط ذراعه وهو يمشى بجوارى نسلم هنا ونتوقف هنا ونلقى التحية العابرة هنا حتى عدنا لمنزل خليل وقد بلغ منى التعب مبلغه فحين تقبع فى العزلة لفترة يربكك الدفء والبشر والعلاقات وكأنك خرجت من توك من كهف ليغمر الضوء عيونك فلا تقوى على الرؤية بادئ الأمر حتى تألفه .. وتلتقى بالبشر فتشعر أنك نسيت الكلام ... ولكنك سعيد كونك نجوت من عزلة الكهف هذه وأصبح بالإمكان مخالطة الحياة والبشر وتمل من الوحدة وتنقم عليها وتظل تتسآل لماذا آسرت العزلة وها هى الحياة جميلة ... ملعونة هى العزلة وكل من تحب هم حولك .. لا بأس بقليل من الغضب من الحياة .... 

يتبع فى الجزء الرابع

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة